فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما أخبر عن تعذيبهم بالماء الحار الذي من شأنه أن يضيق الأنفاس، ويضعف القوى، ويخفف القلوب، أخبر بما هو فوق ذلك فقال: {ثم في النار} أي عذابها خاصة {يسجرون} أي يلقون فيها وتوقد بهم مكردسين مركوبين كما يسجر التنور بالحطب- أي يملأ- وتهيج ناره، وكما يسجر- أي يصب- الماء في الحلق، فيملؤونها فتحمى بهم ويشتد اضطرامها لكونهم كانوا في الدنيا وقود المعاصي، والفتن بهم يشب وقودها ويقوى عودها، ويثبت عمودها، لأنهم لم يلقوا أنفسهم في نيران الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفات الشهوات في أبواب الأوامر والنواهي، التي هي في الظاهر نيران، وفي الحقيقة جنان.
ولما كان المدعو إنما يدخر لأوقات الشدائد، قال موبخًا لهم مندمًا مقبحًا لقاصر نظرهم لأنفسهم بانيًا للمفعول لأن المنكىء هذا القول مطلقًا لا لكونه من قائل معين: {ثم قيل لهم} أي بعد أن طال عذابهم، وبلغ منهم كل مبلغ، ولم يجدوا ناصرًا يخلصهم ولا شافعًا يخصصهم: {أين} والتعبير عنهم بأداة ما لا يعقل في أحكم مواضعه في قوله: {ما كنتم} أي دائمًا {تشركون} أي بدعائكم لهم في مهماتكم دعاء عبادة مع تجديده في كل وقت؛ ثم بين سفولهم بقوله لافتًا القول عن مظهر العظمة إلى أعظم منه فقال: {من دون الله} أي المحيط بجميع العز وكل العظمة، لتطلبوا منهم تخليصكم مما أنتم فيه أو تخفيفه: {قالوا} أي مسترسلين مع الفطرة وهي الفطرة الأولى على الصدق: {ضلوا عنا} فلا نراهم كما ضللنا نحن في الدنيا عما ينفعنا.
ولما رأوا أن صدقهم قد أوجب اعترافهم بالشرك، دعتهم رداءة المكر ورذالة الطباع إلى الكذب، فاسترسلوا معها فبادروا أن أظهروا الغلظ فقالوا ملبسين على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ظانين أن ذلك ينفعهم كما كان ينفعهم عند المؤمنين في دار الدنيا: {بل لم نكن ندعو} أي لم يكن ذلك في طباعنا.
ولما كان مرادهم نفي دعائهم أصلًا ورأسًا في لحظة فما فوقها، لا النفي المقيد بالاستغراق، فإنه لا ينفي ما دونه، أثبتوا الجار فقالوا: {من قبل} أي قبل هذه الإعادة {شيئًا} لنكون قد أشركنا به، فلا يقدرهم الله إلا على ما يزيد في ضرهم ويضاعف ندمهم ويوجب لعن أنفسهم ولعن بعضهم بعضًا بحيث لا يزالون في ندم كما كان حالهم في الدنيا {انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} [الأنعام: 24] فالآية من الاحتباك: ذكر الإشراك أولًا دليلًا على نفيهم له ثانيًا، والدعاء ثانيًا دليلًا على تقديره أولًا.
ولما كان في غاية الإعجاب من ضلالهم، كان كأنه قيل: هل يضل أحد من الخلق ضلال هؤلاء، فأجيب بقوله: {كذلك} أي نعم مثل هذا الضلال البعيد عن الصواب {يضل الله} أي المحيط علمًا وقدرة، عن القصد النافع من حجة وغيرها {الكافرين} أي الذين ستروا مرائي بصائرهم لئلا يتجلى فيها ثم صار لهم ذلك ديدنًا.
ولما تم جواب السؤال عن التعجب من هذا الضلال، رجع إلى خطاب الضلال فقال معظمًا لما ذكر من جزائهم بأداة البعد وميم الجمع نصًا على تقريع كل منهم: {ذلكم} أي الجزاء العظيم المراتب، الصعب المراكب الضخم المواكب {بما كنتم} أي دائمًا {تفرحون} أي تبالغون في السرور وتستغرقون فيه وتضعفون عن حمله للإعراض عن العواقب.
ولما كانت الأرض سجنًا، فهي في الحقيقة دار الأحزان، حسن قوله: {في الأرض} أي ففعلتم فيها ضد ما وضعت له، وزاد ذلك حسنًا قوله: {بغير الحق} فأشعر أن السرور لا ينبغي إلا إذا كان مع كمال هذه الحقيقة، وهي الثبات دائمًا للمفروح به، وذلك لا يكون إلا في الجنة {وبما} أي وبسبب ما {كنتم تمرحون} أي تبالغون في الفرح مع الأشر والبطر والنشاط الموجب الاختيال والتبختر والخفة بعدم احتمال الفرح.
ولما كان السياق لذم الجدال، وكان الجدال إنما يكون عن الكبر، وكان الفرح غير ملازم للكبر، لم يسبب دخول النار عنه، بل جعله كالنتيجة لجميع ما مضى فقال: {ادخلوا} أي أيها المكذبون.
ولما كان في النار أنواع من العذاب، دل على تعذيبهم بكل نوع بذكر الأبواب جزاء على ما كانوا يخوضون بجدالهم في كل نوع من أنواع الأباطيل فقال: {أبواب جهنم} أي الدركة التي تلقي صاحبها بتكبر وعبوسة وتجهم {خالدين فيها} أي لازمين لما شرعتم فيه بالدخول من الإقامة لزومًا لا براح منها أصلًا.
ولما كانت نهاية في البشاعة والخزي والسوء، وكان دخولهم فيها مقرونًا بخلودهم سببًا لنحو أن يقال: فهي مثواكم، تسبب عنه قوله: {فبئس مثوى} دون أن يقال: مدخل {المتكبرين} أي موضع إقامتهم المحكوم بلزومهم إياه لكونهم تعاطوا ما ليس لهم، ولا ينبغي أن يكون إلا الله يقول الله تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعنيهما قصمته» ولم يؤكد جملة {بئس} هنا لأن مقاولتهم هذه بنيت على تجدد علمهم في الآخرة بأحوال النار، وأحوال ما سببها، والتأكيد يكون للمنكر ومن في عداده، وحال كل منهما مناف للعلم، وزاد ذلك حسنًا أن أصل الكلام مع الأعلم للسر الذي تقدم-- صلى الله عليه وسلم- فبعد جدًّا من التأكيد.
ولما كان هذا في الجزاء أعظم الشماتة بهم، فكان فيهم أعظم التسلية لمن جادلوه وتكبروا عليه، سبب عنه قوله: {فاصبر} أي ارتقابًا لهذه النصرة، ثم علل بقوله مؤكدًا لأجل تكذيبهم بالوعد: {إن وعد الله} أي الجامع لصفات الكمال {حق} أي في نصرتك في الدارين فلابد من وقوعه، وفيه أعظم تأسية لك ولذلك سبب عنه مع صرف القول إلى ما يأتي الاعتراض إشارة إلى أنه لا يسأل عما يفعل، قوله تعالى: {فإما نرينك} وأكده ب ما والنون ومظهر العظمة لأنكارهم لنصرته عليهم ولبعثهم {بعض الذي نعدهم} أي بما لنا من العظمة مما يسرك فيهم من عذاب أو متاب قبل وفاتك، فذاك إلينا وهو علينا هين.
ولما ذكر فعل الشرط وحذف جوابه للعلم به، عطف عليه قوله: {أو نتوفينَّك} أي قبل أن ترى ذلك فيهم وأجاب هذا المعطوف بقوله: {فإلينا} أي بما لنا من العظمة {يرجعون} أي معي في الدنيا فتريهم بعد وفاتك من نصر أصحابك عليهم بما تسرك به في برزخك فإنه لا بقاء لجولة باطلهم، وحسًا في القيامة فنريك فيهم فوق ما تؤمل من النصرة المتضمنة لتصديقك وتكذيبهم، وإكرامك وإهانتهم، والآية من الاحتباك: ذكر الوفاة ثانيًا دليلًا على حذفها أولًا، والرؤية أولًا دليلًا على حذفها ثانيًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)} اعلم أنه تعالى عاد إلى ذم الذين يجادلون في آيات الله فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون في ءايات الله أنى يُصْرَفُونَ} وهذا ذم لهم على أن جادلوا في آيات الله ودفعها والتكذيب بها، فعجب تعالى منهم بقوله: {أنى يُصْرَفُونَ} كما يقول الرجل لمن لا يبين: أنى يذهب بك تعجبًا من غفلته، ثم بيّن أنهم هم {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} أي بالقرآن {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من سائر الكتب، فإن قيل سوف للاستقبال، وإذ للماضي فقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغلال في أعناقهم} مثل قولك: سوف أصوم أمس قلنا المراد من قوله: {إِذْ} هو إذًا، لأن الأمور المستقبلة لما كان في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعًا بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد، والمعنى على الاستقبال، هذا لفظ صاحب الكشاف.
ثم إنه تعالى وصف كيفية عقابهم فقال: {إِذِ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسْحَبُونَ في الحميم} والمعنى: أنه يكون في أعناقهم الأغلال والسلاسل، ثم يسحبون بتلك السلاسل في الحميم، أي في الماء المسخن بنار جهنم {ثُمَّ في النار يُسْجَرُونَ} والسجر في اللغة الإيقاد في التنور، ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم، ويقرب منه قوله تعالى: {نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة} [الهمزة: 6، 7] {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله} فيقولون {ضَلُّواْ عَنَّا} أي غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا نستشفع بهم، ثم قالوا {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا} أي تبيّن أنهم لو لم يكونوا شيئًا، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئًا، كما تقول حسبت أن فلانًا شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا جربته فلم تجد عنده خيرًا، ويجوز أيضًا أن يقال إنهم كذبوا وأنكروا أنهم عبدوا غير الله، كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأنعام أنهم قالوا {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} قال القاضي: معناه أنه يضلهم عن طريق الجنة، إذ لا يجوز أن يقال يضلهم عن الحجة إذ قد هداهم في الدنيا إليها، وقال صاحب الكشاف {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم، حتى أنهم لو طلبوا الآلهة أو طلبتم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر، ثم قال: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرض} أي ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق، وهو الشرك وعبادة الأصنام {ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} السبعة المقسومة لكم، قال الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ} [الحجر: 44]، {خالدين فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} والمراد منه ما قال في الآية المتقدمة في صفة هؤلاء المجادلين {إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} [غافر: 56].
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)} اعلم أنه تعالى لما تكلم من أول السورة إلى هذا الموضع في تزييف طريقة المجادلين في آيات الله، أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبر على إيذائهم وإيحاشهم بتلك المجادلات، ثم قال: {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} وعنى به ما وعد به الرسول من نصرته، ومن إنزال العذاب على أعدائه، ثم قال: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} يعني أولئك الكفار من أنواع العذاب، مثل القتل يوم بدر، فذلك هو المطلوب {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل إنزال العذاب عليهم {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام، ونظيره قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وعدناهم فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} [الزخرف: 41، 42]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله أنى يُصْرَفُونَ} قال ابن زيد: هم المشركون بدليل قوله: {الذين كَذَّبُواْ بالكتاب وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا}.
وقال أكثر المفسرين: نزلت في القدرية.
قال ابن سيرين: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت.
قال أبو قبيل: لا أحسب المكذّبين بالقدَر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا.
وقال عقبة بن عامر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نزلت هذه الآية في القدَرِية» ذكره المهدوي.
قوله تعالى: {إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} أي عن قريب يعلمون بطلان ما هم فيه إذا دخلوا النار وغُلّت أيديهم إلى أعناقهم.
قال التيمي: لو أن غُلًا من أغلال جهنم وضع على جبل لوَهَصه حتى يبلغ الماء الأسود.
{والسلاسل} بالرفع قراءة العامة عطفًا على الأغلال.
قال أبو حاتم: {يُسْحَبُونَ} مستأنف على هذه القراءة.
وقال غيره: هو في موضع نصب على الحال، والتقدير: {إِذِ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ} مسحوبين.
وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعكرمة وابن مسعود {والسَّلاسِلَ} بالنصب {يُسْحَبُونَ} بفتح الياء والتقدير في هذه القراءة ويسحبون السلاسل.
قال ابن عباس: إذا كانوا يجرونها فهو أشدّ عليهم.
وحكي عن بعضهم {والسلاسِلِ} بالجر ووجهه أنه محمول على المعنى؛ لأن المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسلِ؛ قاله الفرّاء.
وقال الزجاج: ومن قرأ {والسلاسِلِ يسحبون} بالخفض فالمعنى عنده وفي {السلاسِلِ يُسْحَبُونَ}.
قال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز؛ لأنك إذا قلت زيد في الدار لم يحسن أن تضمر {في} فتقول زيد الدارِ، ولكن الخفض جائز على معنى إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فتخفض السلاسل على النسق على تأويل الأغلال؛ لأن الأغلال في تأويل الخفض؛ كما تقول: خاصم عبد الله زيدًا العاقلين فتنصب العاقلين.
ويجوز رفعهما؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه صاحبه؛ أنشد الفرّاء:
قد سَالَم الحياتِ مِنه القدَمَا ** الأُفْعُوَانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَما

فنصب الأفعوان على الإتباع للحيات إذا سالمت القدم فقد سالمتها القدم.
فمن نصب السلاسل أو خفضها لم يقف عليها.
و{الحميم} المتناهي في الحر.
وقيل: الصديد المغلي.
{ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ} أي يطرحون فيكونون وقودًا لها؛ قاله مجاهد.
يقال: سجرت التنور أي أوقدته، وسجرته ملأته؛ ومنه {والبحر المسجور} [الطور: 6] أي المملوء.
فالمعنى على هذا تملأ بهم النار، وقال الشاعر يصف وعلا:
إِذا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً ** تَرَى حَوْلَها النَّبْعَ والسِّمْسِمَا

أي عينًا مملوءة.
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله} وهذا تقريع وتوبيخ.
{قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أي هلكوا وذهبوا عنا وتركونا في العذاب؛ من ضلّ الماءُ في اللبن أي خفي.
وقيل: أي صاروا بحيث لا نجدهم.
{بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئًا} أي شيئًا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع.
وليس هذا إنكارًا لعبادة الأصنام، بل هو اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة؛ قال الله تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} أي كما فعل بهؤلاء من الإضلال يفعل بكل كافر.
قوله تعالى: {ذَلِكُمْ} أي ذلكم العذاب {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ} بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخًا.
أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة.
وقيل إن فرحهم بما عندهم أنهم قالوا للرّسل: نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذّب.
وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} [غافر: 83].
{وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} قال مجاهد وغيره: أي تبطَرون وتأشَرون.
وقد مضى في {سبحان} بيانه.
وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان.
وروى خالد عن ثور عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لَحمِين ويبغض كل حبر سمين» فأما أهل بيت لَحمِين: فالذي يأكلون لحوم الناس بالغيبة.
وأما الحبر السمين: فالمتحبر بعلمه ولا يخبر بعلمه الناس؛ يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس.
ذكره الماوردي.
وقد قيل في اللَّحِمِين: أنهم الذين يكثرون أكل اللحم؛ ومنه قول عمر: اتقوا هذه المجازر فإنّ لها ضراوة كَضَراوة الخمر؛ ذكره المهدوي.
والأوّل قول سفيان الثوري.
{ادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} أي يقال لهم ذلك اليوم، وقد قال الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} [الحجر: 44].
{فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} تقدم جميعه.
قوله تعالى: {فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} هذا تسلية للنبيّ عليه السلام؛ أي إنا لننتقم لك منهم إما في حياتك أو في الآخرة.
{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} في موضع جزم بالشرط وما زائدة للتوكيد وكذا النون وزال الجزم وبني الفعل على الفتح.
{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} عطف عليه {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} الجواب. اهـ.